المادة    
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلّى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، وبعد:
فنحن أمة الإيمان، وأمة التوحيد، ونحن الأمة التي اصطفاها الله وفضلها وشرفها على سائر الأمم، وربط بين أفرادها وقلوبها برباط التقوى، وجمع بينها بجامع اتباع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فالحمد لله على ذلك، والحمد لله الذي هدانا لسنة خير المرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، والحمد لله الذي جعلنا ممن يحضر مجالس الذكر، ويحب الصالحين، ويجتنب مجالس اللهو والزور، ويكره العصاة والمفسدين والمجرمين.
الحمد لله الذي علَّمنا قيمة التوحيد، وعرَّفنا أنه من يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه، وعرفنا أنه لا خير فينا، ولا في حياتنا، ولا في أي شأنٍ من شئوننا إلا بأن نكون على توحيد الله عابدين لله وحده لا شريك له، متبعين لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعلمنا أننا نحب في الله، ونوالي في الله، ونبغض في الله، ونعادي في الله، ونعطي في الله، ونمنع في الله، فأعمالنا كلها لوجه الله تبارك وتعالى ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، وعلى هذا نجاهد أنفسنا، وندعو الخلق أجمعين إلى أن هذا هو دين أنبياء الله المرسلين، كما قال تبارك وتعالى: ((وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)) [الأنبياء:25]، وكما قال عز وجل: ((وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ))[النحل:36]، فهذا الدين العظيم هو التوحيد الذي ميزنا الله به عن سائر الأمم، فهو النعمة العظمى، والمنّة الكبرى من رب العالمين تبارك وتعالى، وهل يستوي عند الله من عرفه، ووحده، وعبده وحده لا شريك له، ومن أشرك معه غيره من خلقه؟
لا يستوون عند الله.
التوحيد هو معقد النجاة في الدنيا والآخرة: ((إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ))[المائدة:72] فعلى هذا وإليه دعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجاهد في الله حق جهاده، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {بعثت بالسيف بين يدي الساعة، حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذل والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقومٍ فهو منهم}.
نعم. من تشبه بقوم فهو منهم، فمن تشبه بأهل الإيمان والتوحيد والسنة والطاعة فهو منهم، ومن تشبه بأهل الكفر والنفاق والبدعة والعصيان فهو منهم.
  1. توحيد الصحابة

    فمن أجل التوحيد جاهد الصحابة الكرام فخرجوا من هذه الجزيرة القاحلة في سبيل الله، وفي ذات الله، وانطلقوا شرقاً وغرباً يرفعون راية "لا إله إلا الله" فدانت لهم الدنيا وخضعت، حتى عجب المؤرخون وعجزوا عن تفسير هذه الظاهرة، هل في التاريخ كله من ظاهرة أعجب وأعيى للعقول منها؟
    أمةٌ تنبعث من هذه الجزيرة -من هذه الصحراء- لم يكن لها حضارة، ولا علم، ولا تاريخٌ مجيد تفخر به، ولم تكن لها قيم إلا موروثات الجاهلية وعاداتها وتقاليدها، وتخرج لتدخل الناس في دين الله أفواجاً.
    كان الناس في بلاد الشام تحت حكم هرقل، وكان هرقل -والي الشام- على دين النصرانية الباطل المحرف -هذا مثال من الأمثلة- ولما دخل أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دمشق، لم يكن لهم فيها إلا مسجد واحد يجتمع فيه المسلمون، بقي فيه قلة، والبقية انطلقوا يجاهدون ويفتحون المدن الأخرى، وما تم لهذا الأمر إلا زمنٌ يسير حتى أسلم الناس كلهم، أهل دمشق ومن حولها، وبلاد الشام إلا من أعمى الله تبارك وتعالى بصيرته دخل الناس في التوحيد لما رأوا نور الإيمان، والتوحيد، ولما رأوا أخلاق النبوة ورأوا بيوت الله وكان فيها أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلى رأسهم معاذ بن جبل في دمشق، ذلك الشاب التقي النقي -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- كانوا يهدون الناس بنور وأخلاق النبوة، فلما رآهم نصارى بلاد الشام قالوا: والله ما الذين صحبوا المسيح عليه السلام -أي الحواريين- بأفضل من هؤلاء، رأوا الخلق ورأوا التواضع والزهد ورأوا إيثار الآخرة على الدنيا، ورأوا الإقبال على الله -تبارك وتعالى- وعلى تلاوة الذكر الحكيم وتعليم الناس هذا الدين العظيم، فدخلوا في دين الله أفواجاً منقادين راغبين غير راهبين.
  2. وضوح العقيدة الصحيحة

    إن هذه العقيدة النيرة الخيرة ببساطتها، وبوضوحها فهي -والحمد لله- كالشمس في رابعة النهار، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {تركتكم على مثل البيضاء -وهي الشمس- ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك} إنها قد استحقت أن تنجذب إليها القلوب، وأن تتفاعل معها مشاعر الناس قديماً وحديثاً، فيدخلوا في دين الله -تبارك وتعالى- أفواجاً.